تداعيات حرب السودان الإقليمية- صراع متفاقم وتدخلات خارجية

المؤلف: الصادق الرزيقي08.28.2025
تداعيات حرب السودان الإقليمية- صراع متفاقم وتدخلات خارجية

إن الحرب الدائرة في السودان تشهد تحولًا خطيرًا، إذ لم تعد مقتصرة على الصراعات الداخلية على أراضيه، بل بدأت تداعياتها الخطيرة وامتداداتها المؤذية تصل إلى دول الجوار والإقليم برمته، مما يهدد بزعزعة الاستقرار الإقليمي.

وهذا بالتحديد ما حذر منه قادة سودانيون بارزون، جنبًا إلى جنب مع قادة إقليميين ومنظمات دولية معنية، منذ اللحظات الأولى لاندلاع هذا الصراع المدمر، والذين يراقبون عن كثب تطورات هذا النزاع المسلح وتبعاته الكارثية. وخلال الأشهر القليلة الماضية، أصبحت هذه التحذيرات حقيقة ملموسة، حيث باتت المنطقة بأسرها على شفا كارثة حقيقية.

لا يخفى على أحد أن المواجهة بين السودان وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الأراضي الليبية أصبحت أمرًا لا مفر منه، وذلك عقب تورط قوات حفتر المتمركزة في الجنوب الشرقي لليبيا، عندما شنت هجومًا شرسًا بالتعاون مع قوات الدعم السريع على نقطة حدودية سودانية في منطقة (جبل العوينات)، واحتلت المثلث الحدودي الاستراتيجي الذي يربط بين السودان ومصر وليبيا.

علاوةً على ذلك، توغلت عناصر من مليشيا الدعم السريع داخل الحدود المصرية في العاشر من شهر يونيو/ حزيران عام 2025، الأمر الذي أثار ردود أفعال غاضبة واستياءً شديدًا داخل الأراضي المصرية، وأصبح الوضع قابلاً للاشتعال في أي لحظة، خاصةً مع بدء الطيران السوداني تنفيذ غارات جوية مكثفة بهدف استعادة المنطقة المتنازع عليها.

يحد السودان سبع دول، وهي: مصر وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، ويبلغ إجمالي طول حدوده مع هذه الدول ما يقارب 7.500 كيلومتر، في حين يمتد ساحله على البحر الأحمر إلى حوالي 700 كيلومتر، مما يجعله يشترك في حدود بحرية مع المملكة العربية السعودية على طول الساحل الشرقي.

وتتشابك الأوضاع في هذه الدول السبع مع دول أخرى تتأثر بشكل مباشر بما يحدث في السودان، مثل أوغندا وكينيا والكونغو الديمقراطية، وهي دول كانت تتقاسم حدودًا مباشرة مع السودان حتى عام 2011، قبل انفصال جنوب السودان، وتقع الآن ضمن دائرة التأثيرات الجانبية للحرب السودانية المشتعلة.

وتعتبر كينيا طرفًا متورطًا بشكل كامل في هذا الصراع، حيث تستضيف قيادات مليشيا الدعم السريع وحلفاءها السياسيين، بالإضافة إلى الحركات المسلحة المتحالفة معها. كما تتهم السلطات الكينية بالتورط في عمليات نقل العتاد الحربي المتطور عبر مطاراتها وأجوائها إلى مليشيا التمرد المتمركزة في مطار نيالا غربي السودان.

بينما طالت أوغندا اتهامات مماثلة بدعمها للتمرد السوداني، بالإضافة إلى تدخل قواتها في جنوب السودان لقتال المناهضين لحكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، ويُقدر عدد القوات الأوغندية المتواجدة في جنوب السودان بأكثر من عشرة آلاف جندي.

وفي منطقة الساحل وغرب ووسط أفريقيا، وصلت تداعيات الحرب السودانية إلى بعض البلدان، وعلى رأسها النيجر ومالي ونيجيريا والكاميرون وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري، باعتبارها مصدرًا رئيسيًا للمقاتلين المرتزقة الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني.

وتتداخل الأوضاع المعقدة في هذه البلدان مع الأنشطة المتزايدة لحركات مسلحة معارضة داخلية، بالإضافة إلى تفاعلات صراع دولي متصاعد، مما ينذر بمستقبل قاتم ومليء بالمخاطر.

عقب الهجمات التي استهدفت مدينة بورتسودان في مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، وجهت الحكومة السودانية اتهامات صريحة إلى أطراف إقليمية باستخدام قواعد تابعة لها في جمهورية أرض الصومال لإطلاق الطائرات المسيرة التي نفذت الهجوم، مما يضيف بعدًا إقليميًا آخر إلى الأزمة، ويوسع نطاقها ليشمل منطقة القرن الأفريقي المضطربة.

وتظل الخلافات العميقة بين إثيوبيا والصومال، وكينيا وإثيوبيا، وإريتريا وإثيوبيا، قائمة بانتظار الشرارة التي ستشعل فتيلها في أي لحظة، مما قد يؤدي إلى نشوء تحالفات وتدابير إقليمية جديدة من خارج منطقة القرن الأفريقي، وذلك بسبب الاصطفافات وتداخل المصالح في المنطقة مع مصالح قوى إقليمية ودولية أخرى.

وتشير معلومات مؤكدة في العاصمة الكينية نيروبي إلى أن قائد القوات الأميركية المخصصة لأفريقيا (AFRICOM – القيادة الأميركية في أفريقيا) قد أبلغ عددًا من وزراء الدفاع في المنطقة بأن بلاده تطالبهم بالاعتماد على أنفسهم في مكافحة الإرهاب، وأن الدعم الأميركي السخي سيتوقف قريبًا، باستثناء تبادل المعلومات الاستخبارية.

وهذا يعني بكل وضوح أن قدرات هذه الدول، بدون الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة، ستتجه نحو حالة من الفوضى والاضطراب إذا تصاعدت الاضطرابات الداخلية والخلافات العميقة بين هذه الدول المليئة بالحركات المعارضة النشطة والجماعات المسلحة المتطرفة.

بشكل عام، تتزايد تداعيات الحرب السودانية على دول الجوار بشكل ملحوظ، بالتزامن مع التورط المباشر لقوات حفتر الليبية في الصراع السوداني، مما ينذر بعملية تصنيع حرب إقليمية شاملة ينبغي النظر إليها من خلال عنصرين أساسيين:

انحسار الحرب وتمركزها في غرب السودان

يواصل الجيش السوداني تقدمه بثبات نحو تلك المناطق، وسط مؤشرات قوية على الانهيار العسكري والمعنوي لمليشيا التمرد وحلفائها، بالإضافة إلى فشل المشروع السياسي الرامي إلى تكوين حكومة موازية وإنشاء سلطة أمر واقع في غرب البلاد، وتراجع الدعم القبلي الذي كان يحظى به سابقًا لصالح مليشيا الدعم السريع.

وقد أسفر ذلك أيضًا عن فرار أعداد كبيرة من المرتزقة الأجانب، مما دفع داعمي المليشيا إلى التعجيل بفتح جبهات قتال أخرى، خاصة على بعض النقاط الحدودية الحساسة، بهدف تأمين تدفق الإمدادات العسكرية واللوجستية، وإشعال فتيل الأزمة في المنطقة، وتخفيف الضغط المتزايد على مسارح العمليات الحالية في غرب البلاد، وتحقيق نصر سريع وخاطف في ظل الظروف الراهنة.

استشعار دول الجوار خطورة الأوضاع

إن تراجع الدعم السريع وفشلها الذريع في إدارة الحرب، بالإضافة إلى خطر تمددها نحو الغرب أو الشرق، دفع دولًا مثل أفريقيا الوسطى وإثيوبيا إلى إرسال مديري مخابراتها إلى السودان في زيارات استطلاعية لبحث سبل التعاون والتنسيق (زيارة مدير مخابرات أفريقيا الوسطى كانت في 29 مايو/ أيار الماضي، وزيارة مدير المخابرات الإثيوبي ومستشار رئيس الوزراء في 2 يونيو/ حزيران الجاري).

كما وردت إشارات إيجابية من دولة تشاد، اعتبرها بعض المراقبين بمثابة محاولة لتهدئة الأوضاع المتوترة، واستكشاف طرق جديدة نحو تطبيع العلاقات بين البلدين. وتمثل هذه التحركات انتكاسة كبيرة للتمرد، وقد تدفعه نحو الهروب إلى الأمام ونقل ألسنة اللهب إلى دول الجوار، وفقًا لتحالفاته المشبوهة مع جماعات وحركات متمرّدة على السلطة في بلدانها الأصلية.

تعود التوقعات القاتمة بتدهور الأوضاع في المنطقة إلى حقيقة أن الحرب في السودان قد أنعشت الكثير من المجموعات المسلحة المتمردة في هذه البلدان، وفتحت شهية بعضها لتقوم بدور مشابه للدور الذي قامت به قوات الدعم السريع في السودان. خاصةً وأن دولًا مثل تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا تضم عددًا كبيرًا من الحركات المتمردة (تشاد: 9 حركات مسلحة أساسية – ووقّعت 34 حركة على اتفاق الدوحة عام 2022. أفريقيا الوسطى: 12 حركة. جنوب السودان: 5 حركات. إثيوبيا: 7 حركات من الأقاليم الأخرى).

وتعيش ليبيا بدورها تحت وطأة نذر الحرب والمواجهات المتوقعة في الجنوب والشرق والغرب، وسط تفاعلات سياسية وعسكرية معقدة قد تجرّ ليبيا بأكملها إلى دوامة عنف لا نهاية لها.

في هذا السياق المضطرب، تلوح في الأفق نذر حرب إقليمية أوسع نطاقًا، حيث يعتبر جنوب السودان المرشح الأقرب لاندلاعها، والمسرح المحتمل لعملياتها الأولى، وذلك بسبب التنافس الشديد بين إثيوبيا وأوغندا حول النفوذ والنفوذ في المنطقة الأفريقية، وهو تنافس قديم وعميق الجذور.

إلا أنه، وفي تطور لافت، رفضت إثيوبيا تدخل الجيش الأوغندي في أراضي جنوب السودان في شهر مارس/ آذار الماضي، ووصوله إلى ولايات أعالي النيل المتاخمة للحدود الإثيوبية (أعالي نهر السوباط)، وذلك في إطار الصراع الدائر بين قوات حكومة جوبا وفصائل النوير، وهي قبيلة مشتركة بين جنوب السودان وإثيوبيا.

وسارعت أديس أبابا إلى تعزيز قواتها على الحدود مع جنوب السودان، وانتشرت معلومات عن نية الجيش الإثيوبي التدخل عسكريًا في مناطق أعالي النيل إذا لم تنسحب القوات الأوغندية على الفور. كما أرسلت أديس أبابا وفدًا أمنيًا عسكريًا رفيع المستوى في مطلع شهر يونيو/ حزيران الجاري إلى السودان وجنوب السودان، وأبلغت موقفها الواضح من التواجد الأوغندي في الجنوب، وتركت الباب مفتوحًا أمام أي رد فعل من جانبها.

كذلك أبلغت إثيوبيا العواصم المجاورة بتطورات الأوضاع المتوترة بينها وبين جارتها إريتريا بشأن جبهة التيغراي، حيث تؤكد أديس أبابا أن نشاطًا مزمعًا لمتمردي التيغراي المدعومين من أسمرا قد يؤدي إلى نزاع مسلح مدمر، في حين تستضيف إثيوبيا حاليًا جماعات من المعارضة الإريترية.

كما أن التنافس المحموم بين كينيا وأوغندا حول جنوب السودان سيزيد الأوضاع تعقيدًا، وقد يؤدي إلى مزيد من التوترات والصراعات. ولكل من البلدين حلفاؤه داخل جوبا، التي تلبدت سماؤها بغيوم سوداء داكنة، تحدد طبيعة تطوراتها حالة الاستقطاب الحادة والتنافس الإقليمي المتصاعد.

وفي الإطار ذاته، تجري في أوساط المعارضة التشادية المسلحة والسياسية اتصالات مكثفة بين عدة عواصم في بلدان الساحل، تمهد الطريق لانطلاق موجة جديدة من الصراع المسلح في تشاد. فقد استفادت بعض حركات المعارضة المسلحة التي شاركت في القتال في السودان لصالح قوات الدعم السريع من العتاد الحربي المتطور، والسيارات القتالية الحديثة، والأموال المتدفقة، والتجهيزات المختلفة، وستغتنم هذه الفرصة الثمينة لبدء معركتها الرئيسية في تشاد.

لم تكن حرب السودان بالنسبة لهم سوى فرصة ذهبية للتحضير لهذه المعركة الحاسمة. وبدأت هذه المعارضة في تجهيز معسكرات تدريب خاصة بها في غربي أفريقيا الوسطى وجنوبها، وربما داخل إقليم دارفور، بينما تنشط حركات أخرى في اتصالات سياسية وتحركات دبلوماسية مكثفة في عواصم أفريقية وأوروبية.

وعلى ضوء التطورات المتسارعة على الأرض، والخسائر الفادحة التي تكبدتها مليشيا الدعم السريع، وخاصةً في صفوف المرتزقة القادمين من الجوار السوداني وأفريقيا جنوب الصحراء، فإن انتقال الحرب، لعوامل موضوعية قاهرة، إلى هذه المناطق لم يعد احتمالًا مستبعدًا، بل أصبح واقعًا ملموسًا يتجسد في وقائع محددة، تصدق ما كان يُقال عن الأبعاد والامتدادات الإقليمية الخطيرة لحرب السودان، وعوامل تمددها السياسية والاجتماعية والجيوسياسية في بيئة إقليمية متقلبة لا تقبل المراهنات.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة